20 - 05 - 2025

ضوء | ما بين الإنسان العربي والغربي (3)

ضوء | ما بين الإنسان العربي والغربي (3)

تناولنا في المقالين السابقين أثر وتأثير السلطات الدينية والاجتماعية والثقافية على الفروقات بين الإنسان العربي والغربي، ونواصل في مقالنا الحالي وبموضوعية الحديث عن أثر وتأثير بقية السلطات على الفروقات بين العرب والغرب، مع التأكيد على نسبية الأمور في كل الاختلافات.

فالسلطة الاقتصادية تظهر مثلًا في النظام الاقتصادي المسيطر والسائد، إن كان نظامًا رأسماليًّا أم اشتراكيًّا، و(أغلب) المجتمعات العربية لا هي مجتمعات رأسمالية تقوم على الفرد، ولا هي مجتمعات اشتراكية تقوم على الجماعة، لكنها وللأسف مجتمعات طفيلية غير منتجة، بل وتشجع على الاتكالية والاستهلاك واستيراد البضائع، نستورد من كل دول العالم، من الإبرة إلى كل ما نأكله، ونشربه، ونلبسه، ونسكن فيه، كل شيء تقريبا مُستورد، أو يصنعه الأجنبي العامل في بلاد العرب، وخاصة في دول الخليج العربي، الاعتماد الأول على الأجنبي، فالبنّاء، والخياط، والطباخ، ومصلح مواسير المياه، والكهربائي، والبائع كلهم أجانب، لذلك لا يمكن أن يشعر الإنسان المواطن بالكرامة والاعتداد بالنفس في اللا وعي؛ لأنه يشعر أنه عالة على المجتمعات الأخرى وعلى البشرية كلها.

هذا عدا عن أن أغلب السلطات السياسية العربية وأنظمتها، لا تعرف أسلوبًا في التعامل مع شعوبها سوى اقمع اقمع ثم اقمع. وللأسف أغلب الشعوب العربية ترزخ تحت وطأة البطش والظلم والتشريد، أسيرة الخوف، مسلوبة الإرادة. النظام العربي يربي الصغير والكبير على الطاعة، والاستسلام، والخنوع، وعدم المناقشة؛ لذلك تصبح ثقافة الحوار معدومة، فإما معي أو ضدي، ويصبح الاختلاف في الرأي خصومة وعداوة، وتصبح المجتمعات العربية مؤهلة تمامًا ومستعدة للحروب الأهلية، والنزاعات العرقية، والطائفية، والدينية، والقبلية.  

أما السلطات الثلاث فحدث ولا حرج، فأغلب الأنظمة العربية توجد بها سلطة فردية واحدة لا غير، وهذا الفرد يصنع له أتباعًا مثله أو أكثر منه فسادًا؛ من أجل أن يتحكم في السلطات الثلاث، بما فيها: الوزرات، والمحاكم، والقضاء، والبرلمان، أو المجلس النيابي الصوري الشكلي، والسلطة التشريعية بشكل عام.

أما القانون وتطبيقه، فإن القوانين في المجتمعات العربية مجرد حبر على ورق، في حين أن القانون في الغرب لا يُعلى عليه أحد، ولا يُستثنى منه أحد، حتى الرئيس حاله كحال المواطن يتقاضى راتبًا محددًا، وفترة زمنية رئاسية محددة، ويُطبق عليه القانون، بل بعض البنود على الرئيس أشد وأكثر صرامة.

احترام الآخر بالنسبة للإنسان الغربي أمر مفروغ منه، احترام رأيه وفكره ومعتقداته، بغض النظر عن أصله وفصله، فلا يتم التباهي بالقبيلة أو النسب لديهم، وكل إنسان حرّ فيما يعتقد، ولا أحد يمكن أن يجبر الآخر على اعتناق أي دين أو لا دين، ولا تتم محاكمة أحد وسجنه بسبب اختلاف رأيه عن الرئيس أو صاحب القرار؛ لأن صاحب القرار لديهم غير متنفذ، ويعرف أنه جاء وتم انتخابه، وبشكل مؤقت، من أجل خدمة وطنه وشعبه، في حين أن صاحب القرار لدينا هو صاحب النفوذ، يداه وما تطال، الأرض ومن عليها ملكه، همّه جمع وتكديس المال والذهب والفضة لا غير، بل حتى الموتى لهم احترامهم، فتجد المقابر في الغرب حدائق وارفة الظلال تود أن تجلس فيها ولا تفارقها لحظة، في حين أن مقابرنا صحراء قاحلة تنهش الكلاب في عظام موتانا، وإن حاول الحيّ أن يزرع شجرة بقرب من يحبهم من الموتى، تجدها مقطوعة بعد حين، ومن الجهات الرسمية المسؤولة عن الأوقاف الإسلامية!

نؤكد بأن المجتمعات العربية كلها، لديها كل مقومات النهضة، المتمثلة في التاريخ الحافل، والموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي يجعل من كل الأقطار العربية تطل على أغلب قارات العالم وبحارها، والدين العظيم الغالب والموحد، واللغة العربية المشتركة التي توحد العرب من أقصى شمال الأرض إلى جنوبها، والخيرات الوفيرة والموارد الكثيرة من مياه، وأنهار، وبحار، ونفط، وغاز، ومعادن، وأراضٍ خصبة، وسهول مترعة، وعقول عربية ذكية متوهجة، يحاول الغرب أن يستقطبها ويستفيد منها في كل زمان، ولدينا القوة البشرية الهائلة التي يمكن أن تحوّل التراب إلى ذهب، وكل ما ينقصنا ونحتاج إليه فقط لا غير، حاكم صالح. فهنيئًا لكل قطر عربي وغربي ينعم شعبه بالخيرات، بوجود حاكم صالح فيه يحب وطنه وشعبه.
----------------------------
بقلم: د. أنيسة فخرو
* سفيرة السلام والنوايا الحسنة
المنظمة الأوروبية للتنمية والسلام

مقالات اخرى للكاتب

ضوء | ما بين الإنسان العربي والغربي (3)